جولة الحي في زمن الكورونا

الرياض- العقيق

23/03/2020

كل شيء يحدث للمرة الأولى؛ ٩٠٪ مِن سكان الحي يغسلون أحواشهم ويمتد كرم الغسيل للشارع فينظر كل واحد في عين جاره المقابل على طريقة (اليوم أنا أغسل وبكرا إنت) يبدو أن هناك اتفاقية غير مكتوبة وغير منطوقة بين السكان على إدارة العملية التنظيفية للطريق المشترك بين بيوتهم!

شاب عشريني في أحد شوارع الحي ينزلق بسيارته خارج المنزل عبر الكراج وينزل نافذته ليصيح بأخيه في الداخل ويلقي عليه أمر عسكري واجب التنفيذ “جب المعقم معك” أقسم أني صادقة وأن هذه العبارة سمعتها وكنت على بعد مترين من صاحبها ولم تكن حلماً أو خيالاً قصصي!

ابتسم ابتسامتي العريضة التي تكشف عن أسناني قبل أن تتحول الابتسامة لضحكة خفيفة أشكر غطاء الفم  الذي حرس الضحكة البلهاء من غضب المجتهدين المشمرين عن سواعدهم وكفاني عناء التبرير بأنها والله لم تكن سخرية ولا شماته وإنما هلع الأشياء التي تحدث لأول مره!

سنة ونصف وأنا لا أشاهد في شوارع الحي سوى السائقين غالباً أما اليوم فيقضي عدد من سكان الحي وقته في تنظيف المنزل والشارع. لاأعرف إن كانت تسلية وقضاء وقت فراغ أم هلع الجراثيم ووسواس التنظيف أم وسيلة لمكافحة القلق أم أن قانوناً صدر وفاتني ينص على أن على الأفراد غسل أحواشهم مره يومياً!

القطط أيضاً أخذت نصيبها من مسلسل (يحدث لأول مره) كانت في السابق تفرّ بمجرد اقتراب شخص منها أما الآن فالحي حرفياً لها، أمر من أمامها وخلفها وبجانبها تماماً دون أن تهتز لها شعرة! لم تكتفي بذلك بل أصبحت تجلس أمام باب البناية مباشرة وعلى جدرانها في أوقات حظر التجول وكأنها تمد لسانها لنا في محاولة لاستفزاز غيرتنا..

IMG_0645

الدانوب -سوبر ماركت الحي الذي يعرفني جيداً- بالأمس في تمام الساعة الخامسة مساءً تحول لساعة حشر أو هكذا خُيل لي حتى أني فقدت امتيازي وحفاوة الموظفين بي فلم ينتبه لدخولي أحد! الجميع الآن منشغل بتسيير الأفواج ومحاسبة أطنان المشتريات التي تئن عجلات العربات تحت ثقلها! أكياس (رز أبوكاس)  كانت بطل المشهد، تشرفت بلقائها محمولة بكل تقدير على ظهور العربات والحقيقة أني لم انتبه يوماً لوجودها في (الدانوب)..

هذا المشهد أصابني بنوبة ضحك جديدة وزاد هلعي! هل يستعد الجميع لحالة طوارىء ولم يخبرني أحد! هل يخطط الجميع للنجاة ويتركونني أشتري ما أشتريه عادة: توتست بر (مقاس صغير)، ٣حبات أفوكادو و ٥ حبات موز! هل سيركض الجميع بعربيته المحملة بخيرات الدانوب لمنزله ويقفل بابه ويتركونني دون خطة طوارئ!

أكد شكوكي ومخاوفي زوج يدير عربته لوجه زوجته ويسألها: “يكفي شهر؟” هذا النوع من الأسئلة غير موجود في برمجة ذهني أنا التي تقرر كل يوم ما الذي يحتاجه هذا اليوم من طعام وتخرج لشراء مكوناته! أنا التي سئمت ريم وهي تحاول لمدة سنة  إقناعي بأن في التسوق متسع لمضاعفة الكمية لحالات الطوارىء ولازالت أرفض أو بالأصح لا أعرف كيف! وددت التوجه إلى الزوجين وسؤالهم إن كان بإمكاني إلقاء نظرة على قائمتهم أو إن كان بإمكانهم تقديم النصائح لي فيما يجب علي أن اشتريه أو ربما أطلب منهم طمئنتي أن مايحصل خاص بالأزواج والعائلات ولا يعنيني!

 طابور المتسوقين الذي يمتد من المحاسب دون نهاية مرئية جعلني أشعر بالغضب أو ربما الإيثار  فتركت الدانوب والمحاسبين لمتسوقين أكثر هلعاً مني وخرجت..

خرجت راكضة لم أنتبه لذلك إلا في أحد شوارع الحي حين أصبحت المسافة أقل من متر بيني وبين مراهق يتخلص من مخاوفه أو يستغل ساعة ماقبل الحظر بالتفحيط! هيئته المتوترة حين رآني متجمدة يكشف عن سيناريو السرقة؛ سرقة سيارة والده المنهمك في غسيل الحوش.. تقول نورة وأنا أخبرها بالموقف أن هذه الفئة (المفحطين في زمن الكورونا) هم أكثر فئة تتعاطف معهم إذ يعكس هذا السلوك توترهم أما أنا لا أقول شيء وقد كنت جنباً لجنب مع سيارته المترنحة!

أكملت الركض وأنا أضحك من حشود الدانوب ومن (المفحط) المتوتر وأسير نحو بقالة منزوية في أحد شوارع الحي، بقالة بهوية سوبر ماركت ومحل خضار.. ابتسم بنشوة المنتصر وأنا أركض لها لأنها المكان الذي لا يعرفه الكثير وبالتالي سيكون لي وحدي. لن أخشى الازدحام وانعدام المسافة الاجتماعية والطابور الطويل لدى المحاسب ولن تزداد ضربات قلبي وتبدأ ساعة حظر التجول تحاصرني، سأتسوق بسرعة وخفة وأخرج راكضة قبل موعد الحظر..

أحلامي تبخرت بمجرد أن لمحت زبون في الخارج! زادت نبضات قلبي! ماذا يعني ذلك؟ هل هو من الهاربين من الدانوب؟ هل هو في الخارج حفظًا للمسافة؟ هل امتلئ المكان وفاض به؟ يدي على قلبي وأنا أطل برأسي خلف الرجل الواقف في الخارج وكانت الصدمة ؛ حتى محل البقالة يخترقه طابور طويل! هربت خالية اليدين للمره الثانية وبسرعة أكبر هذه المرة، أردت الوصول إلى خط النهاية قبل صافرة الحظر وعدت إلى شقتي دون توست ولا موز ولا أفوكادو!

المتعلمة educated  

أقرأ هذه الأيام المذكرات الشخصية للكاتبة والمؤرخة الأمريكية تارا ويستوفر وفي جولة الحي السابقة وتحديداً في الدانوب برز في مخيلتي منظر عائلة تارا خاضعة لأوامر الأب وتخزن بهلع أطناناً من حبات الخوخ في مرطبانات استعداداً ليوم عصيب (لم يأتي أبداً) تهاجمهم فيه الشرطة الإتحادية في معتزلهم في جبل بيكس باك. 

 

*الحقيقة أن هذه الجولة كان مكانها انستقرام لولا أنه أبى أن يقبل هذه الثرثرة الطويلة وتوقف عند منتصفها..

 

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: