أربعة أيام في جزيرة الحمير
” هذه بلاد بحجم القلب يا حاج، لا شيء فيها بعيد ولا شيء فيها غريب” إبراهيم نصرالله
كانت جزيرة قبرص (شرق البحر الأبيض المتوسط) على رأس مخططاتي للسفر منذ أن تعرفت على إيفي (صديقتي القبرصية) عام ٢٠١٤ وأخيراً تم التنفيذ في ابريل ٢٠١٨. قبرص لمن لم يقرأ عنها أو يزرها هي جزيرة صغيرة حكمتها عدة حضارات وتنازع عليها ولا يزال عدة دول. تم تقسيم الجزيرة في عدد من المناطق إلى قسمين: يوناني و تركي، لا تستطيع العبور بينها في بعض المناطق ولا حتى التصوير على حدودها وفي مناطق أخرى تستطيع العبور بإثباتاتك الشخصية وكأنك تعبر دولة إلى دولة أخرى.
حجزت تذاكر السفر قبل الموعد المحدد بأكثر من شهر تقريباً، بحثت في عدة مواقع عن أرخص عروض الطيران وانتهيت إلى easyjet حيث كلفتني التذاكر (ذهاب إياب) من بريطانيا إلى لارنكا قرابة ٣٩٠ ريال (*التذاكر على تطبيق easyjet أرخص منها في الموقع!! ) بالنسبة للسكن لم أكن في حاجة للبحث إذ أقمت طوال مدة الرحلة (٤ أيام) في منزل صديقتي في نيكوسيا أما المواصلات فقبرص ليست بلد المواصلات العامة المثالية (لا تتوفر مواصلات في جميع الأماكن/ كل الأوقات) لذا كنا نتنقل بسيارة صديقتي طوال الرحلة.
كيف قضيت الأيام الأربعة في قبرص؟
اليوم الأول: الشواطئ
ما يميز قبرص هو أنها تجمع الطبيعة والأماكن البسيطة والفخمة معاً فتستطيع أن تلمس التطور في العديد من الأماكن والمنتجعات كما تستطيع أن ترى التاريخ حي ومحافظ عليه كل هذا بينما الشواطئ والاطلالات الجميلة تحيط بك.
قضينا نهار اليوم الأول في مدينة Famagusta شرقي قبرص في جولة حول العديد من الشواطئ (Protoras, ghost town view Famagusta beaches: Malama beach, MAAD beach, Konnos beach)
والتي كانت بالمجمل صغيرة، هادئة، غير مزدحمة ومياهها زرقاء صافية. أول الجولة بدأت بالوقوف عند منطقة الحدود مع القسم التركي حيث حولت سيدة قبرصية تدعى أنيتا منزلها على الحدود إلى برج مشاهدة يستطيع السائح الصعود إلى سطح المنزل ومشاهدة الجزء التركي، لسوء الحظ لم تكن أنيتا موجودة في ذلك اليوم.
Cliff Bar – Grecian Park Hotel كان المحطة التي اختارتها صديقتي لاستراحة أول المساء، الفندق من فنادق الخمس نجوم الشهيرة لدى القبرصيين بفخامتها واطلالتها المميزة على البحر الأبيض المتوسط. يستطيع السائح المرور من هنا وتناول وجبة أو احتساء مشروب والتمتع بإطلالة عظيمة وإن حالفه الحظ ربما يكون شاهد على أحد الزواجات المقامة على شاطئه. انتقلنا إلى ميناء Ayia Napa Harbour المليء بالسفن الشراعية مع وسط مدينة صغير بعدد من المطاعم ومحلات التذكارات.
اليوم الثاني: القرى
البيوت في القرى محتفظة تماماً ببنائها الخشبي والصخري القديم لا يوجد منزل شاذ عن الطراز القديم والسر أن الحكومة القبرصية تشجع المواطنين على الاحتفاظ بهذا الطراز بأن تدفع لهم مقابل إعادة ترميم مساكنهم القديمة ترميم يحافظ على هويتها تماماً وفي نفس الوقت يجعلها مسكن مناسب. البعض قام بتحويل مسكنه لفندق أو نزل أو مطعم لكن يظل البناء القديم صامد.
زرنا أولا قرية Kakopetria (bad stone) في الجنوب الغربي لنيكوسيا على سفح جبل، قرية قديمة بأزقة ضيقة ويتخللها نهرين تجعل المشي في القرية أشبه بالمشي في جنة صغيرة حيث الخضرة والمياه تحيط بك. اسم القرية يعني الحجر السيء أخذت هذا الاسم من اسطورة قديمة تشير للصخرة الموجودة في القرية بالقرب من الجسر حيث يقال أن زوجيين حديثي الزواج كانا يجلسان على هذه الصخرة قبل أن تتدحرج وتدفنهما تحتها. رغم أن القرية موجودة منذ العصور الوسطى إلا أنها لم تصبح مأهولة بالسكان إلا في القرن السادس والسابع. أطل علينا أحد السكان من باب المنزل بينما كنت أقوم بتصوير منزله ذعرت قليلاً و اعتذرت مباشرة قبل أن يبتسم ويطلب مني الدخول لرؤية المنزل و تصويره من الداخل كان يقوم بتجديد المنزل لعرضه للإيجار علي Airbnb . أمام بعض البيوت رفوف تصطف فيها برطمانات المربى والفواكه المغموسة بالماء والسكر وأعشاب للشرب ومفارش مطرزة تبيعها العائلات على زوار القرية، هذه الفكرة اللذيذة أوحت لي بمشاريع ما بعد التقاعد (:
القرية الثانية كانت Kalopanayiotis تمتد في وادي وتشتهر بالمياه الكبريتية المستخدمة للاستشفاء لذا عرفت منذ القدم بالمصحات العلاجية. في الحقيقية المشي في القرية يشبه المشي في بيت كبير واحد بممرات مرصوفة ضيقة. أحد رجال الأعمال اشترى العديد من البيوت وقام بتحويلها لمنتجع عظيم بكامل خدماته المشي فيه وبين غرفه ومحلاته وأشجار البرتقال تظلله يجعلك لا تتمنى شيء سوى إجازة هادئة فيه.
أنهينا اليوم بالعودة إلى نيكوسيا والتنزه في وسط البلد القديمة حيث الأزقة الضيقة والبيوت القديمة وقد زاحمتها مطاعم ومحلات حديثة. معلومة غير مهمة لكن عدد القطط في الشوارع تكاد تفوق عدد الناس، تزاحمك جلستك في الجلسات الخارجية والمقاهي والسبب أن الناس كريمة في إطعام القطط ومشاركة وجباتهم معها(:
اليوم الثالث
بدأت جولتنا بزيارة منطقة تاريخية هي Kourion هذه المنطقة كانت تحت سيطرة الإنجليز الذين خرجوا ولا زالت سيطرتهم باقية لدرجة أن تلفونك في هذه المنطقة سيتحول لشبكة شركة اتصالات انجليزية بدل القبرصية أيضا لا زالت القاعدة العسكرية الإنجليزية موجودة هنا والتي كانت قاعدة إطلاق الصواريخ على سوريا من فترة. تضم هذه المنطقة آثار تعود لأبرز ممالك الجزيرة في العصور القديمة والتي دمرها زلزال في عام ٣٦٥م كما تضم المسرح اليوناني الروماني الذي تم بنائه في القرن الثاني قبل الميلاد ولا زال المسرح يستخدم للعروض المسرحية والموسيقية في فصل الصيف، شرق المسرح بقايا لقصر خاص أرضياته من لوحات الفسيفساء الجميلة ومعبد وحمامات قديمة، متوفر على كل معلم لوحات توضيحية بلغة برايل وهي لفتة جميلة ونادرة. كانت المنطقة مطمورة تماما حتى تم التنقيب عنها (لا أذكر حقيقةً تاريخ إعادة اكتشافها) هذا الإرث التاريخي العظيم يطل على البحر لكم أن تتخيلوا الروعة.
ميزة قبرص أنها ما بين الماضي والحاضر، تجمع التراث والأصالة والحداثة لذا انتقلنا من هذه المنطقة الأثرية إلى Limassol في الشاطئ الجنوبي لقبرص، تنقلك هذه المنطقة بشاطئها وأشجار النخيل المصطفه عليه واليخوت إلى درجة أعلى وأرقى سياحيا. حول الشاطئ مجمع مطاعم ومقاهي ومحلات وعلى الجهة المقابلة للشاطئ في وسط المدينة تنتشر محلات محلية بمصنوعات يدوية جميلة وإن كانت الأسعار أحيانا فوق الجميلة.

اليوم الرابع
بدأنا اليوم في وسط المدينة القديمة في نيكوسيا، أخذنا إثباتاتنا وعبرنا من نيكوسيا اليونانية إلى نيكوسيا التركية بعد أن اجتزنا نقطة التفتيش التي رفعت فوقها لوحة تشير إلى أن نيكوسيا هي ثاني عاصمة بعد برلين تفصل بجدار إلى قسمين. القسم التركي مختلف تماماً عن اليوناني، أقل تطور ومزدحم بمحلات تقليد الماركات من الدرجة الأولى الأمر الذي يجعل موظفي التفتيش في الجزء اليوناني يفتشون كل كيس معك ما إن تعود ليتأكدوا بأنك لا تحمل مشتريات تقليد (تقول صديقتي أن الناس تتسوق وترتدي ما تتسوقه لتعبر به حتى لا تتم مصادرته) قضينا بقية اليوم في مدينة Larnaca حتى نكون بالقرب من المطار، تجولنا في وسط المدينة القديمة وزرنا Agios Lazaros church قضينا ماتبقى من المساء علي شاطئ Mckenzy Beach قريباً من المطار نراقب الطائرات ونستمتع بمشاهدة الغروب. في الطريق إلى المطار أخذتني صديقه لمسجد Hala sultan Tekka الذي يقع على بحيرة لارنكا وهو أحد المواقع الأثرية بقبرص يقال إن الصحابية أم حرام وقعت في إحدى المعارك في هذه المنطقة وتوفيت ودفنت فيها فبني المسجد باسمها.
مطاعم قبرص
أعتقد أن الطعام آخر ما يجب أن يشغل ذهن أي سائح في قبرص فالمطاعم وخيارات الأكل كثيرة ومتنوعة ورخيصة. هنا بعض مما جربت:
Mezostrati, Nicosia تجربة الطعام القبرصي الأولى على أصولها سواء من ناحية الطعام أو الأجواء. المطعم في نيكوسيا من المطاعم المشهورة بتقديم ما يسمى المزة وما أدراك ما المزة القبرصية هي باختصار كما وصفتها صديقتنا اليونانية سلسلة لا منتهية من الأطعمة، يستمر المطعم في تقديم أصناف الطعام لك دون توقف ما بين مقبلات، خضار، لحوم، معكرونة وأرز، معجنات وحلويات. مع الأسف الشديد حكمي على الأطعمة سيكون ناقص نظراً لأن رحلتي تصادفت مع توقفي عن تناول اللحوم وميلي لتناول السلطات غالباً مع التقليل من كمية الأكل وبما أن التركيز في مطاعم قبرص على اللحوم فلن أكون أفضل من يقوم بالتقييم لكن أستطيع نقل اللذة التي شاهدتها في أعين الصديقات وال يمممي يمي بعد كل لقمة. الجميل جداً جداً بالنسبة لي والأجمل من الطعام الموسيقى القبرصية إذ كانت هناك فرقة تعزف من الساعة ١١م إلى منتصف الليل.
Piatsa Gourounaki أيضا قبرصي، رخيص، لذيذ والكميات مهولة، الجلسات الخارجية للمطعم جميلة تعطيك فرصة التمتع بوجبتك في قلب المدينة وبين العابرين.
PAPAFiLiPOU أشهر شركة آيس كريم قبرصية كما تقول صديقتي تنتشر فروعه في كل مكان. حكمي عليه سيكون جائر لأن الآيس كريم بالنسبة لي مرادف الجيلاتو في إيطاليا فقط أما عداه فلا يدهشني.
Zorbas كسائح سعيدة أني لم أفلت من يد هذا المخبز بمخبوزاته الطازجة والمتنوعة ولا أعتقد أن أحداً سيفلت منه وهو أشهر المخابز وأكثزها انتشار.
The Old Mill Cafe هذا المقهى والمطعم كان محطة لنا في قرية Kakopetria هو في الحقيقة تابع لفندق بنفس الاسم، إطلالته آسرة وبنائه الخشبي كذلك.
Ammos Beach في مدينة Larnaca لا أستطيع أن أوصي بمكان أفضل منه يتيح الاسترخاء مقابل الشاطئ ومشاهدة الغروب والاستمتاع بمشروب بارد مع مراقبة الطائرات تهبط وتحلق فوق البحر.
وانتهت الأيام الأربعة سريعة كأن لم تكن وعدنا من جزيرة الحمير، للمعلومية تسمى قبرص جزيرة الحمير والزائر لها سيلاحظ استخدام الحمير كإشارة للجزيرة وعلى التذكارات مع عبارة island of donkeys والسبب يقال أنه بعد تقسيم قبرص إلى قسمين اضطر الناس لمغادرة قسم لآخر وترك حميرهم تهيم وتهتم بنفسها وتنتشر في كل مكان لذا قد تشاهدها في أي طريق وإن كنت حقيقة لم أشاهدها (هذه المعلومة وجدتها في الانترنت) قرأت أيضاً أن القبارصة يتفاخرون بحميرهم ويعدونها ثروة وجزء من تاريخهم ومكون ثقافي ويتحسرون على تناقص عددها مع الزمن والتطور كما يقولون إن الإنجليز كانوا يأتون بخيولهم لتتزاوج مع الحمير القبرصية التي عرفت بذكائها أما صديقتي فتضيف أن سبب التسمية هو استخدام الحمير كثيرا في قبرص قديما في التنقل ونقل البضائع. هذا المكون الثقافي الهام في تاريخ قبرص هو الشيء الوحيد الذي جعل القبارصة اليونانيين والأتراك يتحدون لأول وآخر مره للدفاع عن الحمير وحمايتها حيث يقال أنه تم تم تكوين لجنة خاصة بها.
في النهاية قبرص أقدمها كتوصية لسفرة قصيرة بتكلفة معتدلة يتوق فيها الشخص للاستمتاع بالطبيعة والشواطئ ومشاهدة الآثار وطبعا الأكل اللذيذ.