أن تستضيف غريباً في منزلك
حضرت العام الماضي( مجلس سفر) في مساحة مكانة وهو عبارة عن تجمع شهري لمجموعة من الشباب المهتمين بالسفر. أثناء الحديث عن السفر ومغامراته جاء ذكر couchsurfing واستخدام بعض الحاضرين له عند السفروالمفاجأة بالنسبة لي حين ذكر أحدهم تجربة أحد الشباب في استضافة زائر أوروبي في منزله في السعودية من خلال الموقع. تكمن مفاجأتي في أني كنت أعتقد أن الموقع غير نشط في السعودية من ناحية الاستضافة.
لمن لا يعرف couchsurfing هو شبكة تواصل اجتماعي للمهتمين بالسفر. ارتبط اسمه غالباً بالسكن المجاني وهذا صحيح إذ تستطيع من خلاله الحصول على مستضيف يفتح لك باب بيته في الوجهة التي تقصدها ودون مقابل سوى اهتمامه بالإطلاع على ثقافات متنوعة وتكوين علاقات اجتماعية وهو إما مستخدم له ومستفيد منه فبالتالي هي عملية تبادلية أو ربما شخص شغوف بالآخر والانفتاح عليه لكن ظروفه لم تسمح له بالذهاب لهذا الآخر ففتح بيته له واحضر لبيته العالم الذي لم يستطع السفر إليه.

مفردة (الكنبة) في اسم الموقع يعني أن المستضيف سيفتح لك باب بيته سواء خلف الباب غرفة مستقلة لك أو مجرد سرير أو حتى كنبة في غرفة المعيشة. من المهم طبعاً أن تفرق بين الموقع وبين أماكن الإقامة على بوكينج وAirbnb ، ليس الفرق الوحيد أنك ستدفع مقابل في الخيارين الأخيرين إنما الفرق الأهم كما ذكرت إحدى المستخدمات (المستضيفات):” منزلي ليس فندق ولا نُزل تسجل الدخول له ثم الخروج منه مقابل المبيت وتنظيف غرفتك وإعداد طعامك” الكثير من المستضيفين يذكرون النقطة السابقة بالخط العريض للتأكيد على أن الاستضافة المجانية أكبر من مكان لوضع حقيبتك وأرض تنام عليها خلف باب مغلق.حين استضيفك مجاناً أتوقع أن نتشارك الأنشطة وأن نتبادل الأحاديث وأن نتعرف على ثقافاتنا المختلفة وأتوقع منك أن تعتني بنفسك وحاجاتك ولا تتوقع مني أن أتولى ذلك عنك كذلك لا تتوقع مني أن أرتبط معك وبك تماماً.

سجلت في الموقع منذ أكثر من ثلاث سنوات حين كانت ترادوني أمريكا الجنوبية عن نفسها، إذ بدأت البحث فيه عن مستضيفين في الدول التي أخطط لزيارتها. كنت أراه الوسيلة الأسرع للاطلاع على ثقافة بلد كأمريكا الجنوبية والوسيلة الاقتصادية لمبتعثة في ذلك الوقت ترغب في تغطية أكبر قدر من مدنها . خطة أمريكا الجنوبية لم تكتمل لكنني استمريت في استخدامه للتواصل مع المهتمين بالسفر. حتى الآن لم استخدمه في الحصول على سكن لكنني استخدمته في استضافة السياح هنا في الرياض فبمجرد فتح باب السياحة في السعودية وما إن بدأ اصدار التأشيرات السياحة حتي انهالت علي طلبات الاستضافة أو حتى الخروج لتناول القهوة أو تناول وجبة أو التجول في أي مكان في الرياض.
أغلب طلبات الاستضافة رفضتها إذ لم تتفق مع الشروط التي حددتها للاستضافة وأهمها جنس الضيف (أنثى) والمدة لا تزيد عن ليلتين (خلال أيام الأسبوع). وافقت الشروط التي وضعتها أربع سائحات، استضفت اثنتين منهن واثنتين حالت كورونا بيني وبين استضافتهم.
فيما يلي سأحاول الإجابة على أكثر الأسئلة التي تلقيتها ممن أخبرتهم عن تجربتي وكذلك الأسئلة التي أعتقد أنها قد تدور في ذهن أحدهم.
هل أنا مجبرة على قبول أي طلب استضافة؟
مجرد تقديم أحدهم طلب استضافة لا يعني بالضرورة أن علي القبول بمعنى أدقق جيداً في التوصيات الموجودة عن الشخص في الموقع سواء التوصيات الشخصية التي كتبها أشخاص يعرفونه أو خرج معهم أو التوصيات التي كتبها مستخدمين استضافوه في بيوتهم أو ضيوف أقاموا عنده في منزله، أي توصية سلبية مهما كانت بسيطة كفيلة برفضي وللأمانة كذلك التوصيات القليلة قد لا تشجعني. إذا اعتمد بشكل كبير على التوصيات كماً ونوعاً وقبلها معلومات الشخص عمره ومهنته وتعليمه والأنشطة التي يحب ممارستها وطريقة كتابته وتعريفه بنفسه كذلك صوره هذا طبعاً مصحوب ببحثي عنه خارج الموقع: في الفيسبوك وعلى قوقل بشكل عام ولو كان صاحب مدونة أقرأ تدويناته (بالمناسبة اخوتي يسمونني كونان).
كيف تثقين بغريبة وتفتحين لها بيتك؟
أولاً، كما ذكرت أنا لا أقبل أي طلب إلا بعد التمحيص. أيضاً هناك حسيّ وهو ما أعول عليه كثيراً في هذه الحياة وبما إنه لم يخذلني حتى الآن فسأستمر في التعويل عليه حتى إشعار آخر، حسك سيخبرك إن كان هذا الشخص مريح أم لا.
ثانياً مكان إقامتي مزود بكاميرات مراقبة في كل مكان وحراس متوفرون ٢٤ ساعة كما يعتمد الدخول إلى البناية واستخدام مرافقها على نظام البصمة أي أن أي ضيف يحتاجني في دخوله وخروجه علاوة على أن نظام العزل في البناية لحسن الحظ يتيح للجميع سماع مايدور في شقتك دون عناء لذا عند أي طارئ لا سمح الله سيكون الجيران هنا (في شقتي)..
ثالثاً اعتمد في منزلي فلسفة التخفف لذا لا يوجد لدي الكثير من الأثاث والأجهزة أواللوح والزينة التي تغري بالسرقة، الموجود قطع معدودة عمرها بعد الاستخدام لا يساوي ذنب التفكير في سرقتها. أيضاً لا احتفظ بأي مبالغ في شقتي أو قطع ثمينة كل ما أملكه في منزلي قابل للتعويض وفقدانه لا يتسبب في حسرة لي وشقاء.
أخيراً الموضوع برمته يعتمد على شخصية الشخص، مرونته وانفتاحه وطريقة تعامله مع الأمور ونظرته لها. أنا مرنة لكنني حذرة وفي الحقيقة لا أميل للشكوك بل آخذ الأمور على ظواهرها طالما جميع الإشارات حولها لا تثبت العكس وأعتقد أن هذه الصفة ضرورية لمن يستخدم مواقع مشابهة.
لكن الحذر واجب؟
نعم واجب لكن ماحدود حذرك ؟ قد تكون حدود حذرك قائمة على التفكير في كل الاحتمالات السيئة فلن يقنعك كل ماذكرته وسيظل لديك احتمالات نسبة حدوثها ١٪ لكنها كفيلة بأن ترى التجربة غير آمنة وأحترم وجهة نظرك لكن عني تكفيني فكرة أن الضيفة لن تدفع تذكرة وتقطع الساعات الطويلة لتلحق بي سوء.
هل علي أن أجهز غرفة خاصة للضيوف؟
لا طبعاً .. ميزة الاستضافة أنها حسب ظروف المنزل وهو ماستذكره في صفحتك أي أنك ستصف المكان الذي ستستضيفهم فيه إن كان غرفة خاصة أو في نفس غرفتك أو على كنبة في صالتك. أنا استخدم غرفة المكتبة للاستضافة، ليس لدي سرير اضافي لذا أكتفي بفراش على الأرض. إحدى السيدات التي كان من المفترض أن استضيفها لليلة في ابريل كانت ستحضر بصحبة طفلين فاستئذنت أن تحضر لهما أكياس نوم. عندما سمعت أختي عنها اقترحت أن استضيفها في منزل العائلة حيث تتوفر العديد من الغرف المهيئة (الجينات وما أدراك ما الجينات ).
كيف تتم الاستضافة وأنا مشغول أو أعمل أو جدولي و ظروفي غير مناسبة؟
أكرر الاستضافة تتم وفق شروطك الخاصة التي حددتها على الموقع. مثلاً أنا لا استضيف في إجازة نهاية الأسبوع ولا استضيف أكثر من ليلتين كذلك حددت أني ربما استضيف بمعنى ليس من المؤكد أني سأقبل أي طلب (قد أرفض طلبات فقط لأني لا أرغب). في الفترات التي أعرف أني مرتبطها خلالها أعتذر عن استقبال الطلبات. بالنسبة للدوام ، الاستضافة لا تعني أن تأخذ اجازة من عملك، كنت أذهب لعملي وضيفاتي يذهبن لأنشطتهن وبعد عودتي للمنزل يعدن. في النهاية لا أحد سيجبرك على أي شيء أولاً وأخيراً أنت متطوع وأنت صاحب الكلمة الأولى والأخيرة.
هل سأنفق على ضيوفي وأتحمل مصاريفهم؟
ضحكت حين قرأت تعليقاً لأحد المغردين على تغريدة لي عن تجربتي مع استضافة أول ضيفة، يصف المغرد أمثالي ممن يستضيفون السياح الأجانب مجاناً فيما معناه بالغباء وبأننا سنتحمل كافة مصاريفهم، طعامهم ومواصلاتهم وأنشطتهم..الخ وأننا نظن أن هذا كرم بينما هم لا يفكرون سوى في السياحة على حسابنا ثم سيقومون بإنتقادنا كسعوديين ما إن يعودوا لبلدانهم!
لمن قد يفكر بنفس الطريقة أقول أو بالأصح أكرر المسألة خيارك الشخصي لم يجبرك ولن يجبرك أحد على فعل مالا ترغب في فعله وأعتقد كونك تستخدم الموقع هذا يعني أنك وصلت لدرجة من الوعي والانفتاح علي الآخر أعلى من أن تكون أحمق وقابل للاستغلال. عني شخصياً أعامل الاستضافة المجانية وكأني أشتري تجربة وخبرة لذا انتقي من تناسبني ميولهم واهتماماتهم وأعتقد أنهم سيضيفون لي فمثلا ضيفتي الأولى مدونة ومصورة والأخرى كاتبة ومحررة وكلتا الاثنتين لديهما خبرة حياتية مميزة بالنسبة لي وكنت أبحث عمن يملكها حتى يحدثني عنها وقد حصل فعلاً. غالباً من يزور السعودية يقضي فيها مالا يقل عن شهر متنقلاً بين مدنها، كيف يتنقل؟ عن طريق استئجار سيارة.. هل جميع المدن فيها من سيستضيف السائح مجانا؟ لا طبعا لذا يأتي وقد رتب حجوزات سكنه في عدد من المدن ما أريد قوله هو أن الفكرة ليست كما يراها البعض يأتي سائح أجنبي ليستمتع بالمجان لأن السعوديين كريمين وسذج. جميع الأنشطة التي مارستها مع الضيفتين كانت مجانية كالخروج للجري والتجول في الحي وأحد الأسواق القريبة وجولة في منطقة وسط البلد (سوق الزل والثميري وقصر الحكم) عندما خرجت مع ضيفتي الثانية للفطور دفعت هي كامل المبلغ ولم تقبل مناصفته معي كشكر على استضافتي لها أيضاً قدمت لي قلادة وأقراط من فينيسيا الوجهة التي كانت فيها قبل السعودية وهذا مايفترض منك (ذوقا) عند استخدام الموقع أن تحمل معك هدية بسيطة أو تذكار من بلدك لمستضيفك وأن تدفع ثمن إحدى الوجبات. ضيفتي الأخرى حين علمت أني أخطط لقضاء الصيف متجولة في أوروبا دعتني للإقامة في منزل والديها في بلجيكا .
أليس هناك من يستغل الإقامة المجانية من الضيوف ؟
طبعاً هناك من يسافر ليكون عالة على الآخرين لكن ليس كل سائح أومسافر بحقيبة ظهر يريد استغلال الآخرين ! حكت لي ضيفتي الثانية عن قصة صديقها الذي انتقل ليعمل في إحدى مدن الهند ولأنه كان يعاني من الوحدة بدأ في استضافة السياح عن طريق Couchsurfing. كان يقبل جميع طلبات الاستضافة من باب الحماس حتى انتهى منزله لوجهة للهيبيز الذين استوطنوه وعثوا فيه لفترة طويلة قبل أن يعود له رشده ويقنن معايير الاستضافة. أيضاً لا أنسى إحدى طلبات الاستضافة التي وصلتني من (سعودية) ترغب في الإقامة عندي لمدة ثلاثة أشهر وهي المدة التي ستكون فيها في الرياض لظروف العمل،اعتذرت بأن طلبها يتنافى مع معايير الاستضافة التي وضعتها وأن المدة التي ذكرتها هي إقامة طويلة تحولها لشريكة سكن وليست مجرد ضيفة الأمر الذي أثار غضبها فأرسلت لي : لماذا إذا أنت موجودة الموقع !
أكرر هي في النهاية شروطك فلا تنسى أنك المتحكم الأساسي في العملية وأنك ستقابل كافة الأشكال.
أخيراً، هل تصلح التجربة للجميع؟
أنت من تجيب على هدا السؤال بالنظر لخصائصك الشخصية وظروفك الاجتماعية. ليس الجميع من المرونة ليستقبل ويتعرف على الغرباء وهذا أمر عادي لا ينقص من شخصه شيء كذلك مجتمعنا يتصف بخصوصيته فمن الصعب على الكثير أن يفتح بابه ويشارك بيته وشيء من حياته مع غرباء. عني شخصياً وعن عائلتي بشكل عام نحب هذا النوع من التجارب، لدينا بعض الصور في منتصف الثمانينات لوالدي مع عدد من الضيوف الفرنسين في منزلنا يظهر فيها والدي بكل بهجة وهو يستعرض معهم بعض الأدوات الأثرية وفي صورة أخرى يساعدهم على ارتداءالملابس التقليدية.

في كل مره أقول ستكون التدوينة قصيرة اكتشف في نهايتها أنها طويلة جداً لذا أتمنى أنك وصلت إلى هنا عزيزي القارئ وأنت بكامل لياقتك وأتطلع أن تشاركني في التعليقات تجارب مماثلة خاصة أني أعرف أن هناك عدد من الأشخاص سبقوني لتجارب مشابهة..
جميلة فكرة إستضافة أشخاص من نفس المكان اللذي أرغب بزيارته. دليل سياحي محلي. استمتعت بالتدوينة ❤
إعجابإعجاب
جميل!
عني، كانت لي تجربتين فيه، عشتها في مارس٢٠١٩ في كاتمندو عاصمة النيبال، كانت عبارة عن “Hangout” لعدة ساعات مع شخص محلي أخذني فيها لجولة حول المدينة، ودار أغلب حديثنا حول النيبال ووجهاتها السياحية وعن تلميحات مهمة للسائح (كانت تهمني بشدة، كوني كسول جدا في البحث المسبق عن التي أزورها).
أذكر أني (وبعدما عرفت عن حالته ووضعه المادي) حاولت إهدائه مبلغ مالي بسيط نظير الجولة والمعلومات، فرفض بشدة.
الجميل أن علاقتي به امتدت، وأصبح تواصلنا شبه يومي على “انستجرام”.
التجربة الثانية مع شاب في الثامنة عشر، قابلته في بوخارا وترافقنا في رحلة هايكنج لمدة يومين في مسار “أنابورنا” كان هو دليلي فيها، مقابل أنه “محفول مكفول” 🙂
–
أتمنى تجربته لاحقًا كضيف، بعد أن أكسب مهارة ترتيب الرحلة قبلها بوقت كافي:)
أو كمستضيف، فلا شك أنها ستكون تجربة رائعة.
إعجابإعجاب
تجربة رائعه وتحمس جددا انه ابدا اكتشف عالم Couchsurfing
شكررا منيره لمشاركتنا هذي التجربة الفريدة 💗
إعجابإعجاب
تدوينة مفيدة وممتعة أضافت لي. شكرا لك.
إعجابإعجاب