أوبود: هائمة بصحبة نفسي

كان صيف 2019 حافل بخططي اللامنتهية للسفر، أعترف أني جبت الخريطة مئات المرات وطفت حول العالم عشرات المرات وانتقلت ما بين جنوب أمريكا والهند ونيبال وتايلاند وكوبا حتى استقريت دون أن أعرف كيف على شرق آسيا تحديداً بالي وفي تحديد أدق أبود Ubud. منذ سنوات قرأت كتاب طعام ، صلاة ، حب وشاهدت الفلم حيث تذهب إليزابيث إلى بالي – أبود ضمن رحلة البحث عن نفسها بعد الطلاق ومنذ أن قرأت الكتاب وأبود والسير على خطى إليزابيث ضمن خططي.

الحجوزات والفيزا

حجزت تذاكري بأقل أمتعة يمكن حملها وطرت لجاكرتا مرورا بسريلانكا ومن جاكرتا إلى بالي. لم أحتاج لفيزا فمدة اقامتي قصيرة (أسبوع فقط) لم أخطط لأي شيء بدقة بدء بالسكن وانتهاء بالأنشطة. حجزت لأول ليلة فقط فندق قريب من المطار(لا أهتم بفخامة الفنادق ونجومها المهم نظافتها)  بما أني أصل ليلاً أحببت أن يكون باستطاعتي المشي للسكن من المطار. باقي الليالي كنت أحجز في نفس الوقت، هذا النوع من الخفة هو ما يجعلني مغرمة بالسفر الفردي فلا حاجة لخطط ولا ترتيبات هاتفي. النقال في يدي ومزود بالانترنت وفي لحظات أستطيع تدبير أي شيء بما يتفق مع مزاج اللحظة وبما أني مسافرة بشنطة ظهر هذا يجعلني لا أحمل هم الحقائب والأمتعة والتنقل بها.

الليلة الأولى في كوتا

قضيت ليلتي الأولى في كوتا Kuta مهبط السواح ومستقرهم ولأن من عاداتي السيئة أن لا يهدأ لي بال ولا أضع رأسي على المخدة في أي بلد حتى أتجول فيها وأصافح أرضها بقدمي ونتعرف على بعض فإن هذا ما فعلته رغم أني وصلت عند العاشرة والنصف ليلاً إلا أني مشيت للشاطئ وتجولت في المحلات على الشارع وجلست مع مجموعة من الأشخاص على الأرض خلف عربة طعام أتناول التوفو مع الخضروات التي نصحوني بها ووعدوني باللذة إن مزجتها بصوص حار(:

الشروق على الشاطئ

في الصباح قبل الشروق انطلقت للشاطئ إذ أن المشي على الشاطئ والجلوس عليه لمشاهدة الشروق أو الغروب من هواياتي المفضلة.  تمشيت قليلاً ثم جلست على أحد القوارب في مقابلة البحر حتى جاء شخص وجلس بجانبي وبدأ الحوار المعتاد للتعارف بين الغرباء وبالصدفة ذكر لي أن منظر الشروق جميل وأن علي أن أدير ظهري للجهة المعاكسة حتى أتمكن من رؤيته! إذاً مضى وقتي في الجهة المخالفة للشروق! بعد الشروق وحماقتي في انتظاره انطلقت لتناول الفطور ثم إلى أبود.

طعام، صلاة، حب

في Ubud حجزت ليلة حيث مرت اليزابيث والتقت ب Ketut Liyer (توفي 2016 وخلفه ابنه) وقد أصبحت الدار مقصد السياح الغربيين بعد كتاب إليزابيث . الحقيقة أن التجربة تستحق كنزل ودار ضيافة عائلي دافئ فهو عبارة عن فناء واسع بعدة أكواخ في مقدمته صالون لتصفيف الشعر للحفيدة يليله كوخ العائلة ثم أكواخ النزلاء يتخللها مجاري مياه بأسماك والكثير من الأشجار والخضرة. تدير العائلة والعائلة فقط النزل كاملاً فالأم والبنت مسؤولات عن الحسابات، الحفيد في الاستقبال والأب/ الجد يلتقي الضيوف بابتسامته ويتحدث معهم ويقدم لهم استشارات علاجية. عند زيارتي الموافقة لأحد الاحتفالات الدينية في بالي كان مشغول بتجهيز الطعام لهذه المناسبة وبجانبه حفيدة الصغير يقوم بلف رقائق (السبرنق رول) إلا أن ذلك لم يمنعه  من السلام علي والحديث معي عن عائلته ووالده ونزلهم والكثير من الكلام الجميل الذي يلاطف به غريب غريبة.

استفسرت منهم عن طبيعة الأنشطة التي يرتبون لها إن وجدت فذكروا Trekking  إلى قمة جبل باتور ودون تفكير سجلت اسمي في الرحلة التي تبدأ عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل وتنتهي قرابة العصر. أحب التنويع في الأنشطة التي أمارسها في السفر متى ما كان ذلك متاح وأي نشاط يتطلب مشي أجد نفسي ميالة له. الصعود لقمة باتور تستحق الاستيقاظ عند الثانية وتستحق تحمل البرد الذي يأخذ نصيبه من شخص لم يرتدي ملابس تليق به. مشاهدة الشروق من القمة تستحق كل الساعات التي قضيناها في الطريق وأعتقد أني متى ماطلب مني توصيات في أوبود فسأوصي بهذه الرحلة لمن يستطيع تحملها.

يوغا، تأمل، عزلة

تكثر في بالي الأماكن التي توفر لك فرصة الاعتزال في حقل أو مزرعة وممارسة اليوغا والتأمل وأنشطة أخرى تختلف من مكان لآخر كركوب الدراجة ودروس الطبخ وغيره. حجزت ثلاث ليالي في واحد منها وهو عبارة عن حقل ملحق به فيلا بغرف للضيوف وفيلا لصاحبة المكان وهي سيدة ألمانية. كان البرنامج كالتالي في الصباح يوغا ثم الفطور والتجول في الحقل وفي المساء بعد الغداء جلسة تأمل (جميع الوجبات نباتية) ثم درس طبخ اندونيسي وفي أحد الأيام هناك جلسة مساج. بمجرد وصولي للمكان كانت المفاجأة وجود كلاب وهو الأمر الذي لم نتفق عليه خصوصا كلاب تنبح في وجهي بشراسة بمجرد دخولي والظريف أنها تحاصرني أثناء جلسة التأمل! لم أشعر بالارتياح الأمر الذي جعلني أدخل لغرفتي وأبحث عن مراجعات للمكان من جديد حتى أتأكد هل هناك ذكر للكلاب وكانت الصدمة وجود الكثير من المراجعات التي يذكر أصحابها تعرضهم للعض من قبل الكلاب! بالإضافة للكلاب صاحبة المكان لم تكن ودودة كما ينبغي وكان حديثها معي طوال الوقت عن السياسية والدين وبشكل متطرف ضد البلد الذي جئت منه وفي اعتقادي أن هذان الموضوعان تحديدا لا ينبغي أن تكون في مكان خاص بالاسترخاء والراحة. اليوغا لم تكن وفق توقعاتي بأن من يقوم بها هو مدرب خبير إذ كانت الجلسة مع فتاة متطوعة للعمل في الحقل أوكلت لها صاحبة المكان القيام بجلسة اليوغا معي! كان المكان فارغ جداً على عكس تصوراتي بأني سأكون واحدة ضمن جموعة ولأني أثق في حدسي ولا أرغب في أن أضيع وقتي ومالي في إعطاء فرصة لتجربة لم تلمس روحي منذ البداية قررت الخروج وإنهاء التجربة عند هذا الحد. عموماً التجربة استثناء وأنا على ثقة أن هناك أماكن أخرى ستكون التجربة فيها أجمل لذا ربما تضعونها بالحسبان عند السفر إلى بالي.

IMG_9700

ني ويان ودارها الدافئة

بعد خروجي من الحقل وفي طريق العودة لوسط أوبود حجزت في دار ضيافة بمبنى أثري في وسط أوبود وفي شارعها الحي بالقرب من المحلات والمقاهي والحياة. استقبلتني عجوز اندونيسية مبتسمة هي صاحبة الدار ذات الثمانية غرف، تقيم مع ابنها وعائلته في الجزء الأمامي من الدار. تستضيف ني ويان في دارها ورش رسم وأعمال حرفية من وقت لآخر وهو الأمر الذي شدني فالدار أكثر من نزل. كان الحجز ليلة واحدة لكن في اليوم الذي يليله قمت بالتمديد ليلة أخرى فالسكينة التي منحتني إياها ني ويان وأحاديثها وانتظارها لي في الليل كأم لتسأل عن يومي وحرصها على أن أتناول الفطور في الصباح قبل خروجي جعلني أرغب في قضاء وقت أطول معها وقت ليس فيه مغامرات أو to do list وقت ليس فيه سوى الجلسة بجانبها في شرفة بيتها وأمام التلفاز والاستمتاع بمشاهدة برامج اندونيسية وهو مافعلته في يومي الثاني معها وقبل مغادرتي. أنصح بزيارتها والإقامة في دارها لمن يهتم بالبشر وليس المكان فالمكان أقل من عادي على مستوى الغرف كذلك لمن يسافر باسترخاء ولديه متسع من الوقت لإنفاقه دون خطة بعينها.

المعابد، حقول الأرز ، مزرعة القهوة

اعترف أني بعد سبع سنوات من السفر الشبه مستمر فقدت شهيتي لزيارة المعالم والمزارات المكررة كدور العبادة التي كانت سابقاً تفتتني من الناحية العمرانية. الآن أصبح نصيب التسكع الحرّ في الشوارع والأزقة أوالتصوير والكتابة أكبر لكن بما أن أوبود مليئة بالأنشطة ورحلات اليوم الواحد وبما أن صورة أرجوحة حقول الأرز كانت عالقة في ذهني كصورة جميلة عن بالي قررت الانضمام في أحد الصباحات لمجموعة في رحلة حول ثلاثة معابد وحقول الأرز ومزرعة قهوة وشوكولاته. التجول في حقول الأرز بكل خضرتها منعش والتأرجح من علو منعش أكثر كنشاط خفيف. ستجدون عروض هذا النوع من الجولات في كل مكان أما إذا كنتم مجموعة فيمكنكم استئجار سيارة والذهاب بنفسكم في جولة من هذا النوع.

ليلة ملكية

الحقيقة أني أنفر من أي شيء تُلحق به مفردة (ملكي) لوصفه وأهرب من كل مايتعلق بالملكية من أسلوب حياة أو طقوس لكن قضاء الليلة الأخيرة من الرحلة في منتجع فخم على شاطئ جمبران Jimbaran  لشخص مثلي اعتاد الركض يعتبر ملكي بشكل أو آخر حتى وإن كنت ذلك الشخص الذي ينتهي من جلسة المساج في غرفته ليخرج للمشي لمسافات طويلة  ثم يترك عشاء المنتجع وشوائه وطيباته وموسيقاه ليتناول العشاء في مطعم دون اسم. ربما فقرة الدلال هذه تناسب الأشخاص الأكثر هدوء والذين لديهم قدرة على قضاء اليوم في غرفتهم أو أمامها وعلى شاطئها أما من خلقوا يركضون فعليهم توفير نقودهم.

جنة النباتيين

كانت بالي بالنسبة لي جنة من حيث الأكل، الأمر الذي فتح شهيتي بشكل لم أصدقه ولم أخبره مسبقاً. السلطات الملونة، السموثي، الشوفان و زبديات الخضروات المشوية كل هذا جعلني أغرق وأفكر جدياً بأن على هذه الجزيرة ما يستحق العودة طبعاً ليس الطعام فقط لكنه الطعام أولاً (: هنا بعض المطاعم التي جربتها.

وجهة آمنه جميلة تتميز بتنوع الأنشطة التي يمكن القيام بها فلا يخشى الشخص الملل لأنه حتماً سيجد ما يعجبه، رخيصة ، الناس ودودين جداً حتى أني لا أنسى أن خروجي من ثاني سكن أقمت فيه تصادف مع الاحتفال الديني فلم أجد أي وسيلة مواصلات حملت حقيبتي ومشيت حتى صادفت سيدة عند باب بيتها تهم بركوب دراجتها النارية سلمت عليها وأخبرتها بالمكان الذي أرغب الذهاب له وهل هناك طريقة للحصول على تاكسي أكدت لي أن ذلك مستحيل وعوضاً عنه عرضت علي أن تأخذني بنفسها (الحقيقة أن هذا كان مقصدي) وفعلاً أخذتني بكل لطف لوجهتي(: يزعم البعض أن  بالي عموماً وجهة غير مناسبة للمسافرين بشكل فردي من الجنسين حتى أني صادفت مهندس مغربي ألماني كرر هذه العبارة مرتين عندما علم أني لوحدي ( (you must be brave to come to Bali Alone  في المرة الأولى رددت عليه ألست لوحدك أيضاً أم لأني فتاة؟ أجاب بإنه ليس لوحده وإنما مع مجموعة عندما أعاد الجملة مرة ثانية استوقفته وطلبت إيضاح لأني لا أرى أي شجاعة في الموضوع فالبلد آمن ولم أتعرض لأي مضايقات فكانت إجابته أنه لا يقصد الأمن وإنما الوحدة في جزيرة مثل بالي (: بالنسبة لي لم تشكل لي هذه النقطة أي مشاكل لكن أعرف أن البعض يعتبرها سبب للامتناع عن السفر إلى بالي لذا من الجيد أن تعرف نفسك قبل التخطيط للسفر..

انتهى أسبوع أوبود بكل خفة دون خطط دقيقة ولا ترتيبات معقدة كل مافعلته أني كنت أهيم بصحبة نفسي ودون خارطة طريق.

3 آراء على “أوبود: هائمة بصحبة نفسي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: