إجازة نهاية الأسبوع: الأردن

استكمالاً لسلسلة تدوينات إجازة نهاية الأسبوع والحديثة الولادة ستكون هذه التدوينة عن رحلتي إلى الأردن (عمان -البتراء). أستطيع وصف عمان بأنها المفاجأة التي فاقت التوقعات وجادت علي بأكثر مما حلقت ساعتين لأجله. الكثير من الطيبة والناس المرحة والضحك والحياة الحقيقية. جلّ الوقت في عمان أو كله بالأصح كان من نصيب وسط البلد. في وسط البلد ستفاجئك الدهشة وستكون محظوظ إن ساقك الحديث والضحك مع الأشخاص الطيبين في الدكاكين والمقاهي لأن تكسبهم أصحاب ينطلقون معك في جولة سياحية.

سأجتهد هنا لوضع خارطة بسيطة تشد على يد من مثلي يسعى بكل اجتهاد للخروج من عنق الزجاجة على الأقل مره في الشهر/نهاية الأسبوع. هنا سأقول له باستطاعتك الخروج من الروتين والعمل في رحلة تستغرق ساعتين وبخيارات سكن دوماً سيكون فيها ما يناسب ميزانيتك وبرحلة تمارس فيها المشي والجلوس حول البحر وفي المقاهي وتجمع بين الحضارة والتاريخ والتمدن والطبيعة، مناسبة لك إن كنت تسافر لوحدك أو مع مجموعة. أرجح أن يكون اليوم الأول من نصيب وسط البلد بكل ما فيه من أنشطة، اليوم الثاني للبتراء والثالث للبحر الميت وما تبقى من وسط البلد.

وسط البلد

المدرج الروماني في وسط البلد وتحديداً على جبل الجوفة يقع المدرج الذي يعود للعصر الروماني. تذكرة الدخول للمدرج 2 دينار لغير الأردنيين إلا أن الموظف حين صححت له بأني لست أردنية وإنما سعودية حلف أنه لن يأخذ مني إلا مثل ما يؤخذ من الأردني وهو أقل من ربع المبلغ (00.25 (.

جبل القلعة أيضاً هنا تكرر المشهد وتكررت المعاملة وعوملت كأردنية فيما يتعلق بتذاكر الدخول. قطعت الطريق مشياً من وسط البلد ثم صعوداً للجبل مع فتاتين تعرفت عليهم صدفة وأصبحنا أصدقاء حتى الآن. المنطقة عظيمة وتأخذ الأنفاس، الوقوف عليها يمنح الواقف إطلالة رائعة على عمان. على الجبل بعض الآثار كبقايا كنيسة و القصر الأموي و ما تبقى من واجهة معبد هرقل وهي الأعمدة الستة الضخمة التي يتسابق السياح للتصوير عندها.

درج الكلحة ماذا عساي أقول في أوصافه!* مفتونة لأقصى درجة بقطعة الفن الملونة هذه التي خلقت لي أجنحة من بهجة وجعلتني أطير. مفتونة بالفن والحياة التي تسود في هذا الدرج. الصعود على هذا الدرج عبارة عن غرفة مفاجآت تصافحك فيها الجداريات الجميلة ما بين السيدة فيروز ودرويش وجبران ومارسيل وعلى جنباته تحتضنك البيوت القديمة والمحلات و المقاهي والمكتبات وفي استراحاته وما بين مجموعة عتبات والأخرى تنتشر جلسات المقاهي و لوحات الفنانين ومئات الكتب المعروضة. إنه أعمق من درج وأكبر من غاليري وأقرب لتظاهرة فنية ثقافية. هنا بعض أماكن الدرج التي يجب أن لا تفوت الصاعد أو النازل منه:

زيزفون كافية وفن متأكدة أني حتى وإن لم أوصي المار بدخوله فإن مقاعده الخشبية بلونها الفيروزي واللوحات الفنية التي تتخللها ستكشف ساقها وتغويه بالدخول. زيزفون مقهى ثقافي فني تقام فيه ورش العمل والجلسات النقاشية وورش الرسم والمعارض الفنية.

عزوتي “لديك ما يكفيك من خبزٍ ولكن ليس ما يكفي جميع الناس” شدتني هذه العبارة المحفورة على كرسي خشبي على درج الكلحة بجوار مطعم صغير نقشت على جداره نفس العبارة. على واحدة من طاولتي المطعم جلست فتاتان كانتا الوحيدتان في المكان وما إن دخلت حتى تعرفت عليهم وعلى قصة المكان. هذا المكان أو المطعم هو (عزوتي) مطعم خيري لصاحبه محمود النابلسي رجل أعمال مهتم بالعمل الخيري. يدخل الشخص للمطعم ياعازم يامعزوم، عازم يدفع قيمة وجبته ووجبة أخرى تعلق قيمتها على لوح في المطعم حتى إذا ما جاء شخص محتاج أصبح معزوم وأخذ الوجبة المدفوعة قيمتها. العاملين في المطعم متطوعين يحضرون الوجبات البيتية الطازجة ( رغيف زعتر ، صحن لبنة، قلاية بندورة..)، الفكرة أن تعد كوجبة منزلية بسيطة تشعر المحتاج أنه يأكل بحميمية وبساطة في بيته دون تكلف المطاعم الاحترافية … عزوتي فكرة عظيمة تدار بأيدي بيضاء محبة للعطاء.

جدل: معرفة وثقافة  من أكثر الأشياء التي أبهرتني البيت العربي القديم على درج الكلحة حيث تشدك لوحة جدل الخضراء من قلبك وأنت تصعد الدرج ويشد على يدك الشباب على الدرج بأن تدخل وتكتشف جدل. جدل مشروع ثقافي اجتماعي نشأ بمبادرة خاصة غير ربحية من فادي عميرة المهندس الذي استقال من وظيفته إثر الربيع العربي وبدأ بهذا المشروع كنوع من إشباع حاجة الشباب لمكان يجمعهم للنقاش والحديث. أبهرني البيت ذو الأربع غرف والمطبخ وحديقة السطوح و قد تحول الصالون فيه إلى سينما وغاليري بينما حولت إحدى الغرف إلى مكتبة وقاعات دراسة وأخرى إلى قاعة اجتماعات أما الساحة فاحتضنت الجلسات الخارجية والسطح حوّل لحديقة تقابلك فيها الورقيات والمواد المعاد تدويرها (المكان صديق للبيئية، يمنع استهلاك البلاستك ويشجع إعادة التدوير). النور الذي يكتنف الساحة والسماء التي تظلل الجلسات يجعل خططك مع المكان كثيرة: تلتقي بأصدقائك فيه، تقرأ فيه، تستذكر دروسك، تعمل.. الخ.  نظام جدل هو نظام اللامقهى بمعنى لا يدفع الشخص لما يستهلكه من طعام وشراب وإنما يدفع مقابل الوقت الذي سيمضيه (يدفع مبلغ بسيط لأول ثلاث ساعات ثم نصف المبلغ ثم تكون جلسته بالمجان). تقام في جدل جلسات نقاش وعروض أفلام تتبعها جلسات نقاشية ودروس رقص ويوغا وتأمل ودروس طبخ و دروس تعليم لغة عربية وغيرها.

انتهي من درج الكلحة ولا ينتهي مني كما لم ينتهي من عدد من شعراء الأردن الذين خلدوه في قصائدهم.

جميدة خانم: لن أزور الأردن وأخرج منها دون تناول المنسف وهي عادتي في أي بلد أزوره أتناول أطباقه التقليدية حتي وإن كانت تتعارض مع نظامي الغذائي. اخترت هذا المطعم وتجاهلت بقية المطاعم التي تظهر بتقييمات أعلى على مواقع السياحة وفي بعض توصيات الأصدقاء والدافع الرئيسي كان اسمه (:  سأعترف أني تخيلت المطعم لسيدة أردنية اسمها جميدة والآن أفهم سر دهشة سائق التاكسي وأنا أنطق الأسم وهو يبذل جهد في التعرف عليه حتى توقفنا عنده وبإبتسامة قال : (آه جميدة ). المطعم لزوجين أردنيين ويقع في الطابق الثاني لبيت قديم في وسط البلد يستقبلك بابه الحديدي الأصفر بكل بهجة، فكرته هو تقديم الطعام الأردني التقليدي بحلّة حديثة و خلق مكان حميمي على غرار سنترال بارك في المسلسل الأمريكي فريندز يكون بيتاً وحضناً للشباب والشابات في جميع الأوقات الأمر الذي يفسر (عشة) الحمام الموجودة في السطح بجوار الجلسات وبقية التفاصيل من مشغولات يدوية معلقة علي الجدار وجاهزة للبيع للشباب العاملين الذين تجدهم بجانبك على الطاولات يتبادلون الحديث ومستعدين لأخذك في جولة في المكان كذلك توجد فرقة موسيقية وجلسات خارجية في الشرفة والسطح. عندما تطلب قائمة الطعام وتنتظر ورقة أو كتيب سيفاجئك أحد الشباب بلوح أسود مقارب لطولة يحمله لطاولتك ثم يبدأ شرح الأطباق. المفاجأة الأخرى ستكون حين يحضر لك الشباب لوحة فنية تحت مسمى منسف. بالمناسبة إن كنتم مثلي لم تعرفوا معنى جميدة ابحثوا عنها (:

بيت ستي: كان في قائمتي منذ زمن وأخيراً الآن هناك إشارة صح بجانبه. من الاسم ستتوقع شكل ما أنت ذاهب إليه وربما تخمن شكل التجربة التي ستكون في هذا المكان. بيت ستي بيت عربي خمسيني قديم حين تدخله تشعر بأن الزمن عاد للوراء وأنت الآن في منزل عربي قديم لعائلة راقية بكل صور الأبيض والأسود المعلقة على جدرانه وأثاثه الخشب المعتنى به. حافظت عليه ثلاث شقيقات وأدرنه بذكاء ورغبة في المحافظة على الإرث الأردني الثقافي بجانب تمكين السيدات الأردنيات فتحول البيت لمطعم يدعم السيدات الأردنيات ممن يجدن الطبخ التقليدي. فكرته قائمة على تقديم دروس طبخ للأطباق الأردنية التقليدية لذا لا أفضل تسميته مطعم لأنه مرتبط بالدروس ويفتح بالحجز ومن أجل الدروس. يحجز الشخص عن طريق الموقع لدرس مدته ثلاث ساعات تقريباً (٣٥ دنيار أدني) ينضم فيه لمجموعة من الأشخاص يتراوح عددهم مابين ٩-١٢ تقريباً وبالإمكان طلب درس شخصي خاص لكني لا أحب ولا أنصح بذلك فالمقصد ليس التعلم بقدر ماهو الاختلاط والاستمتاع والتعرف على ثقافة بصحبة أشخاص مختلفين. (توصية: اقترح حجز آخر دروس المساء أما النهار فقضائه في جولة في الأماكن السابقة)

البتراء

ليلة في البتراء وفي فندق Petra bubble luxotel  تحديداً من أجمل التجارب بالنسبة لي. هذا النوع من الفنادق لي معه أمنية قديمة إذ أخطط منذ زمن للنزول فيه في إحدى المدن التي يمكنني فيها مشاهدة ظاهرة الشفق هذه الأمنية جعلتني أتحمس حين عرفت بوجود هذا النوع في قلب صحراء قريبة مني، نعم ليس هناك شفق لكن هناك نجوم ليلية وكثبان رملية على مد النظر. عمان عموماً كان الدافع الرئيسي لها مشاهدة البتراء التي من عرفت نفسي وأنا أحلم بها وأشعر بالخجل من قربها مني وبعدي عن زيارتها. ستحتاج الجولة في البتراء إلي يوم من أول النهار إلى ما بعد الغروب ولن تنتهي من كل تلك الآثار الممتدة والتي ستقطعها بقصورها ومقابرها ومسرحها وجبالها الملونة مشياً علي قدميك وبصحبة مرشد سياحي أفترض فيه الروح اللطيفة والثقافة العالية كما حصل لي. أكثر ما أذهلني بقاء الصحراء صحراء والبدو بدو دون أن تُقتل هذه الأصالة بمرور الثقافات المختلفة منها فبقت اللهجة البدوية الخالصة على نفس اللسان الذي يتحدث الإنجليزية بلكنة مذهلة وبقي الزي والكحل والشعر الطويل والفضة التي عرضت للبيع في قلب الصحراء بجانب كل اللباس والألسنة التي تمرها. زيارة البتراء واجب والنصيحة أن تكون في يوم خميس حيث تشعل الشموع مساء وللخيال حرية رسم صورة للشموع المتراقصة في الصحراء. النزول بالفندق اقتراح والنصيحة أن يكون مع صحبة طيبة  فالإقامة في قلب الصحراء والسهر في خيمة بدوية والاستمتاع بجلسة عزف على العود وشاهي الجمر ومراقبة النجوم من غرفة فندق على شكل قبة بلاستيكية شفافة بحاجة لصحبة تضحك، تغني، ترقص وتسهر معك.

سأنتهي هنا لن أتكلم عن ما ستجده بمجرد إدخال كلمة عمان في محرك البحث، لن أوصي بريم البوادي وشمس البلد وكنافة حبيبة وفلافل هاشم وأبوجبارة وجدايل حواء وسكة الدراويش.. وغيرها فهي ستظهر لك عند البحث. لن أوصي بزيارة البحر الميت فلا أعتقد أن أحداً سيمر الأردن ويتخطاه بالنسبة لي ولوقتي لم يسعني إلا قضاء ساعة تقريباً في منطقة البحر الميت، لن أذكر محلات محلية وبهوية عربية كجو بدو وفانيلة وملبس فهي بنفسها ستصادفك في وسط البلد أو في محرك البحث إن أردت التسوق. لن أوصيك بدارة الفنون ومؤسسة خالد شومان ودار الأندى فهي أيضاً ستقاطع طريقك إن كنت تعتمد المشي وستظهر على محرك البحث إن كنت تبحث عن معارض ومتاحف فنية وسيبقى الخيار لك ولمزاجك ووقتك. سأنتهي هنا على أمل أني تركت فكرة خفيفة ومشجعة لقضاء إجازة نهاية الأسبوع في بلد قريب ومدهش.

  • سأضع في الأيام القادمة على انستقرام جميع الصور التي إلتقطتها لكل الأماكن السابق ذكرها..

3 آراء على “إجازة نهاية الأسبوع: الأردن

  1. تناغم كلماتك وتعابيرك الجميلة هو انعكاس لثقافة وعمق فكري جميل في داخلك. ذكرياتك، تجاربك ولمساتك هي احاسيس تلامس روح وعبق كل مكان. ستنتظر حاضنة الصحراء، البتراء، روحها التي معك لتعيدي لها أنفاسها وتاريخها ومجدها…الف الف وردة لك ولصديقتيك💝

    Liked by 1 person

  2. العجيب في المدرج الروماني النقطة في وسط المسرح من يقف عليها ويتحدث يسمعه من هو اعلى المدرج اي مثابه مكرفون او مكبر صوت ناهيك عن النفق من تحت الارض من المدرج الى الاعلى باتجاه الكنيسه في اعلى قمه الجبل الموازي للمدرج ،

    Liked by 1 person

أضف تعليق