FullSizeRender

لا مزيد من الأناقة المؤذية

في ديسمبر ٢٠١٦ شاهدت فلماً وثائقياً بعنوان “The True Cost” أي التكلفة الحقيقية. يدور الفيلم حول حقيقة الملابس التي نرتديها، من يصنعها وما الأثر البيئي والاجتماعي لهذا النوع من الصناعة (صناعة الملابس). يكشف الفلم الجانب الخفي ل fast fashion أو صناعة الأزياء السريعة (إنتاج كميات كبيرة من الملابس والإكسسوار تواكب الموضة وبأسعار رخيصة). من أمثلة الشركات القائمة على هذا المبدأ : زارا، اتش اند ام، قاب، توب شوب.. الخ.

يعرض الفيلم معاناة العمال في مصانع الملابس في الدول الفقيرة مثل بنجلاديش، كمبوديا وفيتنام، هذه المعاناة تتركز حول الأجر غير العادل المدفوع لهم، ظروف العمل غير الآمنة، كوارث المصانع وسوء المعاملة مقابل الجهد المبذول لإنتاج آلاف القطع التي تعرض في متاجر هذه الشركات بشكل شبه أسبوعي. تهدد الشركات المصانع في هذه البلدان الفقيرة بأنها إن لم تقبل بالأجر المتدني المدفوع للعمال ستنتقل الشركة للتعاقد مع مصنع منافس آخر والذي بدوره مستعد لتقديم سعر أدنى لكسب المنافسة والمتضرر الوحيد هم العمال. لا يتوقف الإيذاء على الأجور الشحيحة (٢دولار /يوم) بل يمتد للمخاطرة بأرواح هؤلاء العمال حين يكون المصنع في بناية متهالكة ولا تنطبق عليه قواعد السلامة (في ٢٠١٣ انهار أحد المصانع في دكا وتوفي أكثر من ١٠٠٠ عامل في هذه الحادثة)!

هذا طبعاً لا يعني أن العمال لم يقوموا بأي محاولة للاعتراض والمطالبة بتوفير ظروف عمل كريمة. ذكرت إحدى العاملات أنها تكفلت بجمع مطالب زملائها وكتابتها وعرضها على المسؤولين وكانت النتيجة أن أغلق المسؤولون المصنع على العمال وقاموا بضربهم! في كمبوديا أيضاً أضرب العمال عن العمل في المصانع وخرجوا في مظاهرات في الشوارع والنتيجة صدتهم الشرطة بعنف وفتحت النار عليهم. لا تتوقف مشاكل صناعة الملابس عند هذا الحد بل تتعداه للإضرار بالإنسان والبيئة في هذه الدول الفقيرة من خلال المواد الكيميائية المستخدمة لإنتاج القطن الصناعي مثلاً والتي تتسبب للسكان بالوفيات، الإعاقات والأمراض الخطيرة.

الفكرة التي تقوم عليها هذه المصانع فكرة أنانية تركز على المستهلك وتضر بالعامل. خرجت شركات الأزياء السريعة/الرخيصة لتفي باحتياجات الأشخاص من الطبقة المتوسطة. الإحتياجات المتركزة حول ارتداء ملابس أنيقة متجددة باستمرار بأسعار جيدة ومناسبة لهم. ارضاءً لرغبة المستهدفين تقوم المصانع بمطالبة العمال بإنتاج آلاف القطع بموديلات متعددة بحيث يتم تزويد واجهات المتاجر بها باستمرار يرضي المستهلك الذي لم يعد تسوقه يقتصر على المناسبات فقط بل أصبح يرتبط بالعمل والزيارات اليومية والإجتماعات وتغيير المزاج أيضا كل هذا على حساب العامل المسكين. تعلق إحدى العاملات في الفيلم قائلة “هذه الملابس التي ترتدونها يتم إنتاجها من دمائنا“!.

مشاهدة هذا الفيلم جعلتني أشعر بمشاعر سيئة تجاه نفسي مخلوطة بغضب من المحلات التي أتسوق منها واشمئزاز من كوني مستعبدة لاستهلاك أجهل حقيقته. انتهى الفلم وقررت أن “أكون التغيير الذي أرغب رؤيته في العالم”[1]. سأقلل من استهلاكي وسأقوم بمقاطعة التسوق من المحلات التي لا تدعم التجارة العادلة. الأمر سيكون محاولة هدفها إنساني قد أنجح و أستمر وقد أخفق وأتوقف وإن حصل التوقع الثاني فشرف المحاولة يكفي.

قررت أن ابدأ بالبحث عن محلات بديلة تقوم على التجارة العادلة (توفر للعامل أجر عادل، بيئة آمنة ، لا تقوم بتشغيل الأطفال وتستخدم مواد لا ضرر منها على الإنسان أو البيئة). ذكرت نفسي أيضاً بأكوام الملابس التي اشتريها ولا استهلكها إذا سأبدأ سياسة تقنين الشراء ١٠٠٪ وإعادة استهلاك الملابس الموجودة في خزانتي. عزمت على التوقف عن التسوق المدفوع بحب التجديد ومسايرة الموضة وتغير المزاج (التسوق بدون حاجة حقيقية). من نتائج هذا القرار: ارتديت في عيد الفطر العام الماضي (٢٠١٧) في السعودية نفس الفستان الذي ارتديته في عيد الفطر (٢٠١٦) في بريطانيا. لما لا الفستان جميل وغالي ولم ارتديه إلا مرة واحدة في بريطانيا. ما كنت لأفعلها سابقاً (:

خلال سنة عثرت على عدة مواقع تتناسب مع فلسفتي الجديدة وقمت بعمل قائمة بها. و تسوقت فعليا من عدد من المحلات:

١- No Nasties: هندي، اسمه يعكس فلسفته، تصاميمهم قطنية بسيطة وجميلة. طريقته في تقديم الملابس وإرسالها للمشتري عظيمة، وصلتني القطع كل واحدة قد تم طيها بشكل اسطواني ودسها في كيس قماش يحمل عبارة تعكس فلسفة الشركة. لدى المحل فكرة عظيمة وهي اشتر تي شيرت واحصل على آخر مجاني على أن تقوم بإهداء الثاني لصديق تعرفه بالمحل وفلسفة المحل. (أسعاره ممتازة ).
٢- People Tree: شهرته أوسع من الأول وتم الإشارة إليه في الفيلم أيضاً وأعتقد أنه معروف لدى كثير من المهتمين بفكرة التجارة العادلة في الأزياء المحل بريطاني قطعه أكثر تنوع من الأول وأسعاره أغلى.
٣- Thought : علامة انجليزية تصميماته بسيطه وجميلة والأجمال الشعارات والعبارات  المرفقة مع القطعة. أذكر أني إرتديت فستان منه ورغم بساطته إلا أن كل من رآه سألني عنه(:

٤- Nativeshoes : محل أحذية أمريكي لا أعرف كم من الوقت أحتاج للثناء عليه وعلى فكرته، الأحذية مصنوعة من أوراق معاد تدويرها، قابلة للغسل التصاميم كعادة أي شيء أخلاقي بالنسبة لي هو فاتن بسيط ومختلف. اشتريت منه حذاء لي ولصديقتي (الحذاء في الرابط) التصميم كان مميز وأضفت عليه اختيار اللون المميز منه الأمر الذي جعل الكثير ممن أتقاطع معهم في الشارع في بريطانيا يعلقون عليه بإعجاب. ميزة الحذاء سهل الغسل مريح حتى في المشي الطويل والتسكع في السفر.

٥- SATVA و Pact : طلبت منهما ملابس رياضية وجاري انهاكها بالإرتداء والغسل مع جمال الشعور بالتفرد لا أديدس ولا نايك إنما قطع يصعب التخمين في أصلها. من Pact طلبت أيضاً جوارب.

٦- The Keep Boutiqe : يقع هذا المحل في منطقة Brixston في لندن، فكرة المحل قائمة على عرض ملابس، اكسسوار، حقائب وأحذية نسائية ورجالية من عدة محلات أخلاقية. اقتنيت منه أقراط من الحجر ألمانية الصنع وحقيبة من محل Matt & Nat محل كندي.

الأمر ليس سهل تظل البدائل قليلة والوصول إليها صعب علاوة على تكلفتها المادية ومحدودية تصاميمها وبساطتها. أيضا صعوبة التحقق من كون المحل يراعي التجارة العادلة قد يكون عائق وقد واجهت ذلك بنفسي بعض المحلات في مواقعها تحاول بطريقة او بأخرى الاشارة بأنها تراعي تلك المبادئ لكن عند سؤالهم بشكل مباشر تكون الاجابة من قبيل اممممم نحن نحاول نبذل هناك خطة نأمل وهكذا.

تأخرت كثيراً في كتابة هذه التجربة، كنت أرغب في التحقق من أني سأستمر وأن الموضوع أكبر من عاطفة مؤقتة وأنه سيصبح فلسفة حياة. قاطعت من أجل نفسي ومبادئها أولاً وأخيراً. أما الفائدة فهي سلام داخلي وإدراك لأني صاحبة إرادة قوية كنت أجهلها. قل استهلاكي ولم تعد واجهات المحلات تغريني وبالتالي زاد توفيري للمال وزاد استهلاكي لملابسي. وفي النهاية أستطيع القول لقد حاولت وكسبت لمدة سنة ولازالت لدي نية الاستمرار ما لم تخذلني الظروف فليس عدلاً أن تكون أناقتي على حساب إنسان آخر.

[1] غاندي

15 رأي على “

  1. شكرا شكرا لك
    أثرتي فيني ومازلتي تاثرين
    وشكرا انك كتبتي هذي التجربة في بدايه هذا العام
    لالحق بالركب واحذو حذوك
    وإنشالله اقدر استمر
    انشالله ابلغك بعد عام أين انا من هذا القرار❤️👍🏻✅🌞

    Liked by 1 person

  2. رأيت اعتناقك لهذه المبادئ بعيني حين زرتك في سبتمر. خزانة ملابسك أدهشتني بحجمها وبساطتها وجمالها. الجهل الذي نعيشه عن تفاصيل استهلاكنا اليومي ( من أطعمة وملابس ومقتنيات) ليس عذرا. في مجتمعاتنا التي تزداد مادية كل يوم يصبح من الصعب بمكان أن نعي ونعرف ونختار بكرامة مالا يؤذينا ولا يؤذي الآخرين. لكن بداية صادقة من شخص واحد قد تساعد جذريا في قلب المعادلة! جدا فخورة بك

    Liked by 1 person

    1. فعلا بداية من شخص واحد قد تحدث فرقا مؤمنة بذلك تماما..
      نهى تعرفين تماماً الفرح اللذي يصنعه حضورك فيني لذلك لا تحرميني منه (:

      إعجاب

  3. تجربة مميزة، أهنئكِ على هذه الارادة القوية والتفكير المتعالي عن التفاهات، وأسال الله لنا الهداية والترفع عن كل ما يؤذي بني البشر.

    إعجاب

  4. رأيت الفيلم وأتذكر جيداً حجم المأساة التي يمر بها أولئك البشر ، هذه المقالة تنم عن شخصية واعية أحييك على هذه القدرة النابعة من إنسانيتك.

    Liked by 1 person

  5. شكراا شككرا على التدوينه الاكثر من راائعه شملتي فيها كل شي من فتره وانا احاول احد يتكلم عن ذا الشي ويحط البدائل بالعربي حقيقي ماعرف كيف اشكرك❤️❤️ واتمنى هذا الفكر ينتشر انتشار اوسع واشوف نظرة الناس تتغير للازياء

    إعجاب

أضف تعليق